ولد حمودة باشا
في 8 ديسمبر 1759 م من أم جيورجيّة تزوجها
الباي علي في الجزائر وغيّر إسمها إلى محبوبة ، ويذكر أبن أبي الضياف أن الباي قد
اعتنى بتربيته ابنه فقرأ ما تيسر من القرآن وضم إليه إمامه الفقيه العالم أبا محمد
حمودة باكير وأخذ عن العلامة الكاتب أبي محمد حمودة بن عبد العزيز كاتب أبيه ومؤرخ
دولته ما يلزم من النحو والحساب والتاريخ وتعلم اللغة التركية نطقا وكتابة.
كان الباي يخطط
لتكليف إبنه بالحكم متجاهلا أحقية ابن أخيه محمود باي بهذه المهمة فسعى لدى
السلطات العثمانية حتى تبارك ولايته للعهد وحرص في الآن نفسه على تمكينه من تكوين
علمي وعسكري متين فأتم حمودة التحصيل في سن الثامنة عشرة وتزوج من إبنة المفتي أبي
عبد الله محمد البارودي فأنجبت له عدة أولاد توفوا كلهم صغارا ولم يبق منهم إلا
ابنه محمد الذي عاش 8 سنوات ونصف فحزن الباي وكاد يموت عليه كمدا.
تولى حمودة باشا
الحكم عقب وفاة علي باي يوم 31 ماي 1782 م دون أن ينجر عن ذلك صراع على الخلافة مع
ابن عمه محمود وهو قد كان من الدهاء أن استدعى حاشية أبيه ليوجه رسالة لأنصاره
وخصومه على حد السواء فقال"إني لم أجلس في هذا المجلس بتغلّب حربي حتى أحسن
لمن أعانني وأتشفّى ممن حاربني وقد طلبتموني في حياة أبي فأطلب منكم أن تكونوا لي
كما كنتم لأبي والله تعالى ولي إعانة الجميع".
أسهبت التقارير
السرية للقنصليات الأوروبية في تعداد محاسن هذا الباي ونظرته الثاقبة ومنها تقرير
للقنصل الفرنسي يصفه بأنه " الأمير الفريد بين أمراء المسلمين قاطبة فهو
يتمتع بثقافة مرموقة مكنته من فهم مصالح القوى والدول الغربية بأوروبا وبالتالي
الإستفادة منها إلى الحد الأقصى".
واهتمت مذكرات
بعض المؤرخين بصفاته الشخصية فذكر بعضها أنه طويل القامة متناسب الأعضاء وذهب
الرحالة فرانك إلى أنه بإمكاننا بصدق أن نعتبره من أجمل رجال البلاد التونسية.
لم يكن حمودة
باشا متميزا فقط في المجال السياسي فهو قد نجح في الميدان العسكري فقاد محلّة
الجباية ولم يكن عمره أكثر من عشرين سنة وعندما ارتقى الى سدة الحكم اتخذ لنفسه بيتا في ثكنة البشامقية بالمدينة
العتيقة حتى يكون قريبا من الجند كما خصص أموالا طائلة للمجهود الحربي وكان من مظاهر اهتمامه بالجيش
كما يقول رشاد الامام في اطروحته عن الباي أن "الضريبة التي كان يدفعها
اليهود على محلاتهم التجارية وكذلك الضريبة الشخصية المترتبة عليهم كانت جميعا تصب
في الخزينة العسكرية وبالتوازي كان الجيش يتلقى المساعدات من الأهالي زيادة على
الجرايات والعطايا الرسمية ويشير الرحالة الانقليزي ماجيل إلى أن " الميزانية
التي استنفدت في مصالح الجيش (في 1808 م) تجاوزت ميزانية الدولة وتعدتها ، والأمر
المؤكد والثابت هو أن الباي أنفق مبالغ ضخمة جدا لتقوية إمكاناته الحربية سواء
منها القوات الأرضية أو البحرية أو التحصينات وذلك استعدادا منه لمجابهة الجزائر".
مكنت القوة
العسكرية الضخمة حمودة باشا من اعلان الحرب على البندقية في 17 جانفي 1784 م بعد
رفضها تقديم تعويض لتجار تونسيين كما لوح بالحرب ضد فرنسا عقب احتجاز سفينة تونسية
وهدد بريطانيا بالاستيلاء على سفنها في عرض المتوسط إن لم تطلق سراح سفينة تونسية
أخرى احتجزتها البحرية الانقليزية.
يذكر كل
المؤرخين الذين اهتموا بهذه الفترة من تاريخ تونس بعضا من التحصينات التي قام بها
حمودة باشا في مدينة تونس وخارجها ومنها
ترميم سور الحاضرة يوم 4 جويلية 1802 وتركيز أبراجه وبناء "القشل
الخمس لسكنى عسكر الترك وهي البشامقية وقشلة العطارين وقشلة الزنايديّة وقشلة سوق
الوزر وقد وكّل على بناء كل قشلة واحدا من أعيان البلاد ".