رفراف ...نسمات الأندلس



في كتاب العبر لابن خلدون ذكر لـ "أفراف" وهي كلمة لوبيّة / بربريّة تعني الخيمة التي يتحصن بها القائد خلال الحصار العسكري ومن ثمّة فرفراف قد تكون كما يقول الباحث محمد علي حبيب "المكان المحصن بأسوار بين الجبال والسهول " ، وأما المخيال الشعبي فينزع من ناحيته نحو إحالات أخرى منها أن رفراف على إسم طائر الرفراف الذي يعشّش في المنطقة.

أيّا كان أصل التسمية تظل رفراف كجارتيها غار الملح ورأس الجبل موريسكيّة الروح وإن كانت بعض الشواهد التاريخيّة تدل على أنها قديمة قدم المرافئ والمدن البونيّة ، وأنها من إحداثات عبد الله السرقسطي مؤسّس رأس الجبل.

وليدة الهجرات الأندلسية التي جاءت ببني غالب إلى هذه المنطقة ومن بعدهم بالموريسكيّين خلال موجة الطرد الأخيرة في بداية القرن السابع عشر هي رفراف إذن وهذا المعطى يتجلّى بوضوح في أسماء عدد من العائلات وفي العادات والتقاليد الموريسكيّة المتعلقة بالملبس والمأكل ، كما يتجلى أيضا في التقنيات الحرفية والمزروعات الجديدة التي جلبها المهجرون معهم ولا شك أن كل هذه العناصر الثقافية قد ازدادت ثراء لما استقرت بكامل المنطقة الممتدة من الماتلين إلى غار الملح عائلات جذورها من تركيا والبلقان والقوقاز ومن السكان الأصليين الأمازيغ أو الأعراب الهلاليين.

يقدم محمد على حبيّب قراءة تفصيليّة في أهم المعالم التاريخية بمدينة رفراف وهي تندرج كما سبق وأشرنا ضمن ديناميّة الاستقرار الموريسكي مؤكدا أن الجامع الكبير هو قلب المدينة وبيت العبادة الوحيد حتى بدايات القرن العشرين والنواة التي بنيت حولها المدينة وتوسّعت الأحياء السكنية وبالتالي فجامع القصر (تم هدمه قصد ترميمه) ، وعلى خلاف المدن الأندلسيّة بالجهة ليس هو أقدم المعالم وأما السّور فهو بلا ريب يمثل الحدود الفعلية لرفراف خلال العصر الوسيط وقد أكتفى السلطان الحفصي أبو فارس بتجديده بواسطة جدار من الطين (القرن 15) ما يعني أن هذا البناء يرجع إلى فترة سابقة.

من العاصمة إلى مفترق رأس الجبل ورفراف حوالي 60 كيلومترا ومهما كان الطريق فإن الزائر سينتبه إلى أن المدينة تستند إلى جبل الناظور وتبعد عن الشاطئ بضع كيلومترات أسوة بالمدن الأخرى التي انكفأت إلى الداخل لتجنب الهجمات البيزنطية في بداية العصر الاسلامي .

رفراف القديمة هي أيضا ذلك التخطيط الأندلسيّ المتمثل في جادة رئيسية تتمركز على جانبيها الدكاكين والمحلات التجارية مع ساحة تتوسّطها ، وساحة المدينة هنا على صغرها فهي تجمع كل ما تنتجه بساتين المنطقة من خضر وغلال.

يتضاعف عدد سكان رفراف صيفا وتنشط الحركية التجارية بفضل المصطافين الذين يأتون خصيصا للاستجمام في شواطئ المنطقة ويبقى شاطئ الكرنيش نقطة الجذب الأساسية حيث تتجمع عنده المطاعم والمقاهي السياحية ومحلات بيع الأسماك وتحلو الفسحة في شارعه الطويل ، ومع الكرنيش هناك شواطئ أخرى غربا تتشكل من بعض الأحواض الرملية والصخرية الصغيرة نذكر منها رأس البلاط ورأس المنقار وصولا إلى شاطئ رأس المستير الذي يستقطب بدوره الآلاف من المصطافين أما شرقا فنجد شاطئ ظهر عياد وشاطئ الحماري وهو الأشهر وبمحاذاته غابة الدمينة التي يعود إنشاؤها إلى الستينات والتي تشكل منظومة طبيعية متنوعة تضم بالخصوص أشجار الصنوبر الحلبي والكلاتوس والبندق والعديد من الشجيرات المتوسطية والنباتات والحيوانات والطيور والزواحف .

عميقة هي رفراف بتاريخها وجميلة بما حباها الله من خيرات لكنها ليست هذا فقط بل هي أيضا جزيرة بيلاو أو قمنّارية التي شكلت في العصور القديمة بوصلة للأساطيل ومستقرا للقراصنة تدل على ذلك بقايا الوجود البشري وأيضا تلك المراكب المغمورة في عرض البحر والتي تعود إلى القرنين الأول والثاني قبل الميلاد (الفترة الرومانية).

على عمق 20 مترا يوجد الموقع الأثري المغمور وهو يحتوي على العديد من اللقى من بينها جرار من الفخار وسبائك من النحاس وتظهر نوعية الجرار أن هذه البضاعة كانت قادمة من إسبانيا.

قد لا تعني هذه الجوانب التاريخية والأثرية شيئا للكثيرين لكن هذا لا ينفي أهميتها التي تتجاوز الصورة النمطيّة المرتسمة في الأذهان عن "قمة النار/ قمنّارية" هذه والتي تتحول في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر كل عام ولدقيقة فقط إلى اللّون الذهبي الخالص في مشهد بديع يسحر الناظرين ويختزل بهاء رفراف ، وأصالتها المطرّزة في الأرواح.


 



أحدث أقدم

نموذج الاتصال