المرقة الصفاقسية إرث الأجداد


 


كنوزنا - ياسين بن سعد

عريقة هي صفاقس ومتميزة بإرثها التاريخي وعاداتها وتقاليدها التي تختلف عن كثير من المدن التونسية وتميز صفاقس يشمل اللهجة الصفاقسية الأصيلة وألقاب العائلات وأيضا المطبخ الصفاقسي الذي يستعد في الأيام المقبلة ومع اقتراب عيد الإضحى لإعداد البازين بالقلاية.

لكن الاكلات الشعبية في صفاقس لا تقتصر على البازين بل هي تتشكل من قائمة طويلة من الأطباق التي يتم إعدادها من القمح والشعير وتستعمل فيها الأسماك بأنواعها واللحوم وتفوّح بعدد من التوابل التي يحيل بعضها على أسماء عائلات من الأرباض القديمة وقبل ان نتحدث عن طبق اليوم وهو صفاقسي بالدرجة الأولى دعونا نلقي نظرة خاطفة على تاريخ عاصمة الجنوب.

في بداية عهدها لم تكن صفاقس مدينة كبيرة أو مركزا دينيا مهما كالقيروان وتونس أو المهدية لكنها ستعرف خلال الفترات الإسلامية نموا متسارعا ولعل مقديش أفضل من يخبرنا عن تاريخها إذ يقول في نزهة الأنظار " كانت صفاقس محرسا من المحارس ، برجا في موضع قصبتها الآن ...وكان هناك ناس يقال لهم الأعشاش وآخرون يقال لهم النواولة ساكنون في أخصاص من خوص لا كسب لهم إلا من صيد السمك وكان حوالي ذلك المكان بسواحل البحر وما قاربه من الأراضي قرى كثيرة متصلة ومتقاربة ولهم في ذلك الموضع في كل يوم جمعة سوق يجتمع فيه أهالي تلك القرى فاتخذوا له فنادق لحفظ دواب الواردين وأمتعتهم وأحدثت هناك مرسى للقادمين من البحر كأهل قابس وجربة وطرابلس وقرقنة وغير ذلك فابتنى الناس لهم مساكن وكثرت الناس فلما كان زمن أبي إبراهيم أحمد ابن الأغلب وكان له اعتناء بأفعال الخيرات وإنشاء الحصون والمحارس أمر ببناء سور من الطوب على ما اجتمع من المساكن والفنادق والسوق على يد علي بن سلم جد سيدي أبي إسحاق الجبنياني".

كشفت الحفريات التي أجريت في الركن الغربي من سور صفاقس عن جامع سفلي يطابق في هندسته جوامع المحارس القديمة ما يؤكد رواية مقديش حول جذور مدينة صفاقس المرابطية وأما عائلة الأعشاش بفرعيها فمازالت موجودة فيما اختفى ذكر عائلة النوالي.

يخبرنا الكتاب أيضا عن الاختلاف الحاصل بين المؤرخين في نسب علي بن سلم فالبعض يشير إلى أن اللقب الصحيح هو مسلم وهذه العائلة موجودة ومعروفة في صفاقس حتى يومنا هذا فيما تذكر مصادر أخرى أن اللقب هو بن سالم وأيا كان فإن هذه الشخصية التاريخية قد لعبت بالفعل دورا أساسيا في تطور صفاقس المدينة ببناء سورها وجامعها ومحرسها الجديد وهو أي بن سلم قد كان قاضيا على صفاقس والساحل وله مزارع كثيرة في منطقة جبنيانة.

لا شك أن الجزم بوضع المدينة خلال الفترة الأولى يبدو صعبا فالقول بأنها كانت مجرد أخصاص أي بيوت من القصب ليس له ما يسنده على الأقل استنادا إلى الدراسات الأركيولوجية بقي أن المدينة ستعرف لاحقا فترات من الإزدهار والإضطرابات ولن يستقر وضعها إلا خلال الفترة العثمانية.

كان لا بد من هذه الإطلالة التاريخية على صفاقس لكننا لسنا بصدد البحث في قصتها الكاملة فنحن نهتم في هذا المقال بجانب من موروثها التقليدي هو المرقة الصفاقسية على أن نعود في مقالات أخرى للحديث عن المدينة وما عرفته من أحداث وما تزخر به من معالم وشخصيات علمية وغيرها.

وقبل التعرض إلى طريقة إعداد هذا الطبق التقليدي فلا بد من الإشارة إلى أن المرقة الصفاقسية لا تعد بنوع واحد من السمك وإنما يخضع الطبق لنوعية السمك الموجود في كل فصل فخلال فصل الربيع يتوفر سمك الصبارص وهو الأفضل للمرقة الصفاقسية وعموما فإن موسم صيد الأسمالك يتوزع كالتالي: صبارص الشرافي الربيع و الخريف والقشاش في مارس وأفريل وماي والكحلاية في الربيع و صبارص الزروب spares في الصيف والسردوك في مارس وأفريل والمداس Sole في أفريل وماي و سبتمبر وأكتوبر والمنكوس في ماي وجوان و الوراطة في أكتوبر ونوفمبر و الغزال Maquerau في الصيف و الغراب في سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر والميلة في الخريف والحمراية Pageot في الشتاء علما بأنه توجد أنواع أخرى كثيرة دون أن يغير ذلك من الطريقة المعتمدة في الإعداد.

تستعمل في طبخ المرقة عدة عناصر أهمها بالطبع السمك ويتم تحضيره مسبقا مع زيت الزيتون والبصل والفلفل الأخضر والطماطم وبعض التوابل وهي الثوم والكمون وفلفل الزينة ويتم في البداية تنظيف السمك وتمليحه أي رشه بالملح وتركه في الثلاجة يستقطر من الماء وفي الأثناء يوضع الزيت على النار ويقطع البصل مع الطماطم

وتترك هذه المكونات على النار إلى أن تستوي ثم يضاف خليط متكون من حبة ثوم مهروس مع ملعقة كبيرة من الكمون ونصف ملعقة من الملح ويترك المزيج لبعض الوقت ثم يسكب عليه قليل من الماء وتعمد ربات البيوت إلى وضع ملعقتين من مصبرات الطماطم في هذه التقلية وتركها على نار هادئة لعدة دقائق تضاف بعدها ملعقة كبيرة من فلفل الزينة وعندما تفوح رائحة التقلية يكون الأوان قد حان لعملية المرقان التي تتمثل في إضافة نحو لتر من الماء ونصف ملعقة من الكركم وترك الخليط إلى أن يطفو زيته عندها يتم وضع السمكات واحدة تلو الأخرى وعقب 10 دقائق تضاف حبات فلفل أخضر ويرش قليل من الفلفل الأسود وبعد بضعة دقائق يتم تفقد الأسماك فإذا بدأ جلدها في التقشر يكون ذلك علامة على أن المرقة قد أصبحت جاهزة.

العملية الأخيرة في طبخ هذا الطبق تتمثل في تنقية الأسماك من المرقة بسكب الخليط في كسكاس بحيث يفصل المرق في آنية وتبقى الأسماك وقشور البصل في هذا الكسكاس.


 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال