تاريخ الزركشي ...كتاب الدولة الحفصية

 




يهتم هذا الكتاب المرجعي الذي اعتمده الكثير من المؤرخين جزئيا بتاريخ المغرب العربي من القرن السادس إلى القرن التاسع هجري الموافق للقرون 12 إلى 15 ميلادي وهي فترة شهدت نشأة العديد من الدول في المغرب الأقصى وتونس خصوصا أما إهتمامه الأساسي فيتركز على تاريخ الدولة الحفصية التي عايش المؤلف حقبة منها أو نقلت إليه أخبارها من مصادر ثابتة ومن ثمة فالكتاب هو المصدر الأول لتاريخ الدولة الحفصية التي حكمت تونس لقرون وأثرت بشكل كبير في كامل محيطها العربي والأوروبي.

يقول محمد ماضور محقق تاريخ الزركشي أن" القرن التاسع الذي جاء بعد نهاية تاريخ ابن خلدون لم يأت من يؤرخه بمثل تحقيقه وربط أجزائه ووصل منقطعاته وكل ما لدينا من المعلومات عنه مستمد من هذا الكتاب وبانقطاعه عميت الأخبار وظلت السبل حتى أن ابن أبي دينار في تاريخ المونس لم يتردد في الإعتراف بذلك ...ففي هذا الظرف بالأخص تتأكد الحاجة إلى هذا الكتاب الذي حفظ للبلاد ناحية مهمة من تاريخها الدولي والعلمي والقضائي وأرخ شخصيات من رجالها كانت بمدرجة الضياع لولاه مع ما استعرضه من تاريخ الوظائف والعمالات والأعراف والعادات والحرف والصناعات وغير ذلك ...وكان لعنايته بتاريخ الأعيان كلما ذكر انتقال قاض أو مفت أو خطيب أو موظف سام سمى خلف في الخطة ، مع إلمامه بالوقائع الحربية وأسبابها ونتائجها وآثارها".

هذا عن أهمية الكتاب فماذا عن المؤلف وهو أشهر من نار على علم ، يضيف ماضور " هو محمد ابن إبراهيم ابن اللؤاؤ الزركشي ...نسبة إلى جده اللؤلؤ ولا يوجد فيما ينتسب إليه -أي جده- أعلى منه وذلك يدل على أنه مملوك مجهول الأصل تتونس وسلك في تكوين عائلته وتسمية بنيه مسلك أبناء البلاد أما حفيده المترجم فولادته بتونس وحريته لا يشك فيهما لمكان عمله المنافي للرق ، وميلاده يقدر على حسب ما يذكر بحدود سنة 820 ...أما عصره ونعني القرن التاسع بالأخص فهو أقسى عصر على العالم الإسلامي كله حيث فقد الإتصال بين أجزائه وصار ملوكه بعضا لبعض عدوا لا ينظر إلا في التوسع على حساب جيرانه غير شاعر بالأخطار الخارجية التي بدأت تهدد الجميع".

يستعرض ماضور بالتفصيل العلماء الذين تتلمذ على أيديهم الزركشي وهؤلاء من أعلام ذلك الزمن وهم أحمد القلشاني وحفيده محمد بن عمر ، وأحمد القسنطيني ومحمد البيدموري وأبو البركات محمد ابن عصفور أما الأول فنقل عنه في التاريخ وأما الآخرون فأخذ عنهم في الشرح وأما عن مؤلفاته فلا يعرف له غير هذا الكتاب وشرح الدمامينية وهو قصيدة في مدح أبي العباس الحفصي بعثها إليه أي إلى الحفصي من مصر سنة 793 ناظمها بدر الدين محمد ابن أبي بكر الدمامني الاسكندري.


 

كان الزركشي كما تشير الوثائق التي عثر عليها يشتغل موظفا لدى الدولة الحفصية في خطة عدل لكنه لم يكن من الموظفين المرموقين ولا من الحاشية المقربين وأما عن وفاته فيرجح كما يقول ماضور أنها كانت بعد 894 وإن كان من يحددها بـ883 دون أن يوجد بالفعل ما يثبت هذا التاريخ.

نأتي الآن إلى الكتاب ومحتوياته وهنا لا بد من التنويه إلى وجود طبعة أولى أنجزت في مطبعة الدولة التونسية تعود إلى 1873 فيما توجد عدة طبعات أخرى وآخرها قام بتحقيقها الدكتور الحسين يعقوبي اعتمادًا على خمس مخطوطات محفوظة بدار الكتب الوطنية بتونس ما أعطى للكتاب زخما أكبر وأضاف إليه بعض المعطيات المهمة وهذه الطبعة صدرت مؤخرا عن المكتبة العتيقة بتونس.


 

تاريخ الزركشي هو بهذا المعنى مصدر لا غنى عنه لكل باحث في تاريخ تلك الفترة وقد استعرض فيه كاتبه تواريخ الدولة الموحدية والدولة الحفصية ودول معاصرة لهما هي الدولة المرينية بالمغرب وبنو زيان بتلمسان أو دول سابقة مثل صنهاجة ولمتونة وبنو حماد ودول صغيرة منها عدد هام بمدن تونس شمالا أو جنوبا.

يفصل الكتاب أسماء وأخبار بعض القبائل وأسماء زعمائها ويستعرض بإسهاب كل ما تعلق بالدولة الحفصية من نظام الدولة وسلطانها وامتدادها وأنظمتها المالية ونظام القضاء والشعائر الدينية ونظام الحرف والصنائع كما يسلط الضوء على إنجازات سلاطين بني حفص من مساجد ومدارس دينية ومنشآت مائية وتحصينات حربية ومؤسسات صحية وفيه أيضا رصد دقيق لأحداث التمرد والثورات والاضطرابات التي عرفتها تونس إبان الحكم الحفصي.




أحدث أقدم

نموذج الاتصال