صدر مؤخرا : المؤنس لابن أبي دينار...نسخة جديدة من تحقيق أحمد الباهي

 

صدرت مؤخرا عن دار سحنون للنشر نسخة جديدة من كتاب المؤنس لأبي عبد الله محمد بن القاسم القيرواني المعروف بابن أبي دينار المتوفى سنة 1699 وهذه النسخة هي عصارة جهد تحقيقي دؤوب قام به الأستاذ أحمد الباهي أستاذ التعليم العالي المختص في علم الأثار والمدرس بكلية الأداب والعلوم الإنسانية بالقيروان وكان الأستاذ الباهي قد قام قبل هذا بتحقيق مؤلفات أخرى.

يقول أحمد الباهي في تصديره للنسخة المحققة من المؤنس : "لا يختلف الباحثون في اعتبار كتاب المؤنس لابن أبي دينار أهم مصدر تاريخي حول أوضاع إيالة التونسية من نهاية القرن 10 هـ / 16 م إلى تاريخ الفراغ من تأليف الكتاب سنة 1092 هـ / 1869 ويصح هذا التقدير أيضا على أخبار إفريقية في أواخر عهدها الحفصي وقد تم الإنتباه مبكرا إلى أهميته فشرع في ترجمه إلى اللغات الأوروبية عقودا قليلة بعد وفاة المؤلف وكان من أوائل الكتب التي طبعتها المطبعة الرسمية التونسية على الحجر سنة 1286 هـ / 1869 م وعليه فقد تعاملت معه أجيال من المؤرخين وطلبة العلم .

والغريب أن هذا الكتاب المهم الذي تعاقبت عليه خمس نشرات لم يقع تحقيقه إلى حد الآن على نحو تراعى فيه شروط التحقيق وقواعده فهي نشرات تستنسخ الطبعة الحجرية الأولى أو طبعة محمد شمام الصادرة سنة 1967 وهي طبعة تعاني من هنات ونقائص كثيرة ...هذا فضلا عن خلو جميع النشرات من تقديم لائق وحتى الفهارس فهي منقوصة هذا إن وجدت.

لم يخطر ببالي أن كتاب المؤنس بحاجة إلى تحقيق حتى سنوات خلت وكنت آنذاك بصدد إعداد بحث حول الطوبونوميا بمحيط تونس وقرطاج خلال العصر الوسيط فتفطنت إلى اختلالات في رسم بعض أسماء الأماكن في طبعات كتاب المؤنس فكانت ردة الفعل الطبيعية هي العودة إلى مخطوطاته للتثبت إن كان مرد الخلل خطأ مطبعيا أو تحريفا من النساخ أو غلطا من المؤلف نفسه وهنا كانت المفاجأة حين أدركت عند قراءة بعض مخطوطات الكتاب ما بينها وما بين النصوص المطبوعة من اختلافات وأن أيدي الناشرين والنساخ من قبلهم قد تصرفت في النص الأصلي وأن مبادراتهم التي لا نشك في حسن نواياها لم تكن تحقيقا حقيقيا ".

أضاف الباهي إلى الكتاب في نسخته المحققة بعض الأبواب والعناصر المهمة التي تلقي الضوء على شخصية المؤلف وعصره فتعرض إلى إسمه ونسبه ونسبته ونشأته بالقيروان وتونس وشيوخه ومرحلة تولي القضاء وأسباب هجرته من القيروان واستقراره بتونس وعلاقته بالمجتمع والسلطة وعلاقته بالوسط الديني والثقافي وحياته بعد تأليف الكتاب ثم وفاته ومؤلفاته كما خصص أحمد الباهي قسما حقق فيه عنوان الكتاب ونسبته إلى ابن أبي دينار وتاريخ تأليف الكتاب وظرفية تأليفه وموضوع الكتاب وتخطيطه ومنهج الكاتب في تأليفه ومصادر الكتاب المكتوبة والمسموعة والعينية.

ثم تخلص إلى قسم آخر اهتم فيه بحضور المؤنس في المصادر التاريخية اللاحقة بدءا بتلك الناقلة عنه قبل 1869 وصولا إلى ما بعد هذه السنة وسلط الأضواء أيضا على نشرات المؤنس المترجمة إلى اللغات الأوروبية والنشرات العربية وخص نشرة محمد شمام بدراسة عميقة لإبراز ما اعتراها من اختلالات شكلية وتقصير في تجميع مخطوطات الكتاب ثم التدخل في النص الأصلي.

بعد كل هذا العمل المنهجي/ البحثي / التدقيقي تمكن أحمد الباهي في الجزء الأخير من الخروج بنسخة محققة علميا يمكن اعتبارها إطارا مرجعيا موثوقا لدراسة تاريخ بلادنا في تلك الفترة الزمنية التي أحصاها ابن أبي دينار وضمّن أحداثها في كتابه حتى عاد المؤنس مصدرا لا غنى عنه للباحثين والأساتذة وطلاب العلم ولا شك أن هذا العمل سيغري كثيرين بالعودة إلى مصادر تاريخية أخرى مشهورة لتحقيقها ككتاب بن الشماع وكتاب الزركشي وحتى الأجزاء الكاملة من إتحاف أهل الزمان لابن أبي الضياف لما طبعها في أحيان كثيرة من ذاتية وانطباعية وغموض لبعض الاحداث والحيثيات التاريخية.



أحدث أقدم

نموذج الاتصال