كنوزنا-ياسين بن سعد
لا تبعد كاب زبيب ورأسها المتوغل في عمق البحر سوى بضعة كيلومترات عن مدينة راس الجبل وهي في الأصل جزء من الماتلين المتمركزة فوق المرتفعات القريبة على ارتفاع 300 مترا لكن ما يميز هذه النقطة البحرية هو تلك الجروف الصخرية الملاصقة للتلال والسهول الخضراء وغابات الزياتين والبساتين الخصبة.
على يسار شاطئ مامي براس الجبل تقع الشواطئ التابعة لمدينة الماتلين ومنها شاطئ الجوابي (جمع جابية) بكاب زبيب وهو أحواض حجرية وعرة مثل عديد المناطق بولاية بنزرت لكن ما يميزها هو جمالها الأخاذ وتداخلها مع الغابات والهضاب.
تمتد سواحل مدينة الماتلين على 6 كيلومترات تقريبا من المرسى القديم بكاب زبيب الى منطقة ما وراء الجبل المحاذية لغابة الرمال وغطائها النباتي الكثيف وفي هذه المساحة الواسعة عشرات الأحواض الصغيرة التي توفر فرجة رائعة إذ هي اطلالة على الأزرق اللامتناهي وأمواجه الهادرة المتدافعة.
كاب زبيب" هي أيضا مدينة ضاربة في القدم فهي وريثة "تينيسا" البونيقية التي كان فيها بحارة وبيوت عتيقة ومرفأ صغير وأفران لحرق الأواني الفخارية . من المدينة القديمة لم تبق الا بعض الشواهد الأثرية لكن البحر ظل عنوان هذه البقعة الاستراتيجية التي اجتذبت حضارات وأثارت حروبا واستوطنتها عرقيات وجنسيات متنوعة من الرومان الى الاسبان والعثمانيين وحتى الموريسكيين المهجّرين من الأندلس.
قديم هو اذن تاريخ كاب زبيب وهو تاريخ بحري بالأساس كما يؤكد الباحث الفرنسي نيكولا كارايون فعلى المرتفعات "بنيت قلعة حصينة وعثر على مدافن وقطع أثرية وكان المكان نابضا بالحياة 4 قرون قبل ميلاد المسيح وكان الميناء البونيقي يستخدم لصيد التن أو كمحطة تستريح فيها المراكب المبحرة الى المرافئ الأخرى غير أن هذا الرأس البحري ليس فقط ميناء بل هو أيضا نقطة عسكرية مهمة بين قرطاج وبنزرت أدرك أهميتها المسلمون الفاتحون لافريقية ثم بقية السلالات الحاكمة وشيدوا حولها رباطات وقلاعا حصينة.
من العاصمة مرورا بالعالية ثم المفترق المؤدي الى راس الجبل والماتلين ينطلق الطريق الفرعي الموصل الى ميناء وساحل كاب زبيب وهذا المفترق هو أيضا الذي يتعين إدراكه من بنزرت التي تبعد ثلاثين كيلومترا قبل الانعراج يسارا نحو الوجهة نفسها غير أنه يمكن الذهاب عبر عوسجة ثم مفترق رفراف وراس الجبل حتى مفترق الماتلين ومنه الى كاب زبيب.
المسافة من العاصمة لا تزيد عن 65 كيلومترا تستغرق ساعة من الزمن قبل إدراك هذه المنطقة التي تشكل شبه جزيرة اذ يحيط بها البحر من جهات ثلاث أما الطريق الوحيد الذي يمر عبر قرية كاب زبيب فهو يمتد على 4 كيلومترات تقريبا .
بين ميناءين يتوزع راس الزبيب أولهما الميناء القديم (الصقالة) الذي قصفته الطائرات في الحرب العالمية الثانية ولم يبق منه سوى الأرصفة المائلة والمتهالكة لكنه أكثر جمالا وسحرا من الميناء الصغير والجديد الذي ترسو به مراكب الصيادين واليخوت الترفيهية .
على أرصفة هذا الميناء العتيق يلتقي الزائر مباشرة بالبحر ويشم رائحة الماء والملح ويسمع سمفونية الأمواج ويتأمل التناغم البديع مع الجبل المشرف على المنطقة ومن ثمة فهذا المكان هو روح كاب زبيب وعلامتها الأصيلة التي ترجع الى العهود السحيقة .
بحر وتاريخ وطبيعة خلابة هو راس الزبيب وهذا الثراء الكبير هو ما يجعله مكانا رائعا للفسحة العائلية في كل الأوقات فهو قريب من عديد المناطق والمدن البحرية والتاريخية الأخرى كغار الملح ورفراف وراس الجبل والماتلين التي يتبعها وهو أيضا على مسافة غير بعيدة عن الطريق السيارة وتتوفر به في فصل الصيف خصوصا مطاعم تقدم أكلات"بحرية" متنوعة وفضلا عن ذلك فان جمال هذه الربوع لا يشمل فقط الجزء البحري فمنابع المياه المتعددة والحقول المترامية من كاب زبيب حتى منطقة الدمنة هي في حد ذاتها وسيلة مناسبة لخلع متاعب المدن الكبرى والاستلقاء في أحضان الطبيعة.
بقي أن السباحة في شواطئ كاب زبيب تتطلب الحذر طيلة فصول االعام فالتيارات البحرية بالغة الخطورة وخصوصا في منطقة الجوابي فالأمواج تتلاطم صيفا وشتاء في هذا المكان والعمق البحري كبير وحتى السباحون المهرة فهم غير معفيين من الانتباه.