المدرسة الشماعية أولى المدارس الدينية بتونس


 


بناة دولة كان الحفصيون وأصحاب مشروع حضاري على الأقل خلال الفترة الأولى من حكمهم على عهد أبي زكريا وابنه المستنصر فهم كما يقول أحمد الطويلي قد "اشتهروا بتأسيس المؤسسات العلمية والدينية من جوامع ومدارس ومكتبات وزوايا ومنها خاصة مكتبة أبي زكرياء الاول وكانت كتبها لا تقل عن 36 الف كتاب ".

كان الاهتمام بالمؤسسات الدينية والعلمية والتعليمية واضحا أيضا لديهم منذ بداية استقلالهم بالحكم وقد تجلى ذلك بالخصوص في العدد الكبير من العلماء البارزين الذين استقطبتهم الدولة فلم يكن غريبا والحال تلك أن تبنى أول مدرسة دينية في تونس خلال حكم أبي زكرياء وهي المدرسة الشماعية .

سميت هذه المدرسة باسم السوق الذي توجد به وهو سوق الشماعين الذي يبيع الشمع المصنوع من شهد النحل وقد استعمل الشمع لانارة جامع الزيتونة وبقية المساجد في المدينة العتيقة وكانت الغاية من إنشاء السوق في 1235 م توفير شموع محلية خالية من المكونات المحرمة وتجنب استعمال الشموع الأوروبية لانارة المساجد وخلال الحقبة العثمانية أصبح السوق يسمى سوق الصبابطية وأما الآن فهو معروف بسوق البلاغجية ومن خلاله يمكن الوصول الى المدرسة الشماعية في الزنقة التي تحمل اسمها.

احتضنت المدرسة الشماعية في فترات من تاريخها طلبة المذهبين الحنفي والمالكي كما حظيت بعناية فائقة من السلالات الحاكمة وتم ترميمها في اكثر من مناسبة ويقول محمد بن الخوجة أن أحوال هذه المدرسة الفريدة من نوعها " قد تداعت في أواخر العهد الحفصي فتداركها الداي أحمد خوجة بتجديد عمارتها في 1647 على عهد الدولة المرادية وممن تولى مشيختها جماعة من آل البيت الخوجي منهم الشيخ أحمد بن الخوجة الأول ...وكان درسه جامعا لعلماء من طبقات متعددة منهم الشيخ محمد النيفر الأكبر وكان يحضر هذا الدرس مع أستاذه محمد بن الخوجة.

ورأيت بخط بعض الأفاضل أن من سكنها في طلب العلم جماعة من أيمّة المذهبين في عصور مختلفة منهم بن عرفة والبرزلي والأبيّ ومن المتأخرين الشيخ اسماعيل التميمي وكانت في القرن الماضي من المدارس الخاصة بسكنى الطلبة الحنفية وكانت جراية المدرس بها في الدولة الحفصية عشرة دنانير في الشهر تبرع بها الشيخ أبو العباس الغرناطي صاحب كتاب المشرق في أدباء المشرق والمغرب وكانت له نافذة بين بيته وبين المدرسة لسماع ما يقرأ بالمدرسة ".

يذكر ابن الشماع أن من أبرز مشائخ هذه المدرسة الرائدة أبو القاسم بن البراء وأبو علي عمر بن قداح الهواري وأبو القاسم القسنطيني وأبو عبد الله البحيري وأبو العباس القلشاني ومحمد الزندوي . المدرسة فرغت من طلابها في بداية الحكم العثماني بتونس اذ لم يقبل عليها أحد بعد أن عيّن على رأسها مسؤول تركي بكتاب رسمي .

خضعت الشماعية الى عملية ترميم في أواسط الثمانينات وفي 19 أكتوبر 1992 تم تصنيفها معلما تاريخيا أما الآن فهي تستغل كمركز للتكوين المهني خاص بحرف الصناعة التقليدية وهو يتبع النيابة الجهوية بتونس المدينة للاتحاد الوطني للمرأة التونسية كما تشير الى ذلك اللوحة الرخامية الموجودة بباب المدرسة .

تولى المعماري علي بن محمد بن القاسم تشييد هذا المعلم الذي يبقى مقارنة بالمدارس العثمانية ذو هندسة بسيطة خالية من البذخ والزخارف ويؤدي درج مرتفع من الحجارة الى سقيفة المدرسة التي تطل على فناء واسع تحيط به أروقة عالية وتستند هذه الأروقة الى أعمدة بتيجان حفصية تعلوها 3 أقواس في شكل حدوة حصان وقد اقتصر في تبليط الأرضية وتزويق الأبواب على حجر الكذال وهي السمة التي تطبع أيضا الطابق العلوي الذي يبدو أنه بني في فترة لاحقة.

ما يميز هذه المدرسة أيضا عن المدارس الأخرى هو مساحتها الصغيرة التي لا تتجاوز 310 مترا مربعا ووجود مصلّيين فوق بعضهما البعض واحد في الطابق الأرضي والآخر في الطابق العلوي ويحتوي كل طابق على عدد كبير من الغرف التي كانت مخصصة لسكن الطلبة .

أحدث أقدم

نموذج الاتصال