عادل التواتي يكتب لنا : المدرسة المغربية

 

 إنتشرت المدارس بمدينة تونس منذ القرن الثالث عشر ميلادي وما أن حل القرن التاسع عشر حتى كان بتونس قرابة الأربعين مدرسة أما اليوم فإن جلها اندثر إما بالهدم أو بتحويلها الى محلات سكنى أو مراكز ثقافية ومنها المدرسة المغربية وهي إحدى أقدم المدارس بالمدينة والتي أسسها صاحب البرّ والإحسان أبو عبد الله محمد المغربي وهو أيضا من بنى جامع باب الجزيرة البراني أو كما عرف لدى العامة بجامع الجنائز.

لا يعرف لهذه المدرسة تاريخ تأسيس محدد غير أن جملة من المؤرخين من بينهم محمد ابن الخوجة رجح أنها تأسست منتصف القرن الثالث عشر على يد أبي عبد الله المغربي المذكور وتقع هذه المدرسة في نهج تربة الباي ، في قلب المدينة وفي بداية سنوات الستين من القرن الماضي قامت دولة الاستقلال بإعادة تهيئة عدة أماكن في تونس وهدمت العديد من المنازل ولم تعوض أصحابها بالمال لأنه كان قليلا عند الدولة في تلك الأيام فملّكتهم معالم قديمة في مدينة تونس منها مدارس وترب وزوايا وحتي مساجد.

من هذه الأماكن التي تم التعويض بها المدرسة المغربية التي كانت لها هندسة معمارية مميزة وظلت محراب علم طيلة قرون ثم أصبحت محلا سكنيا ووقع تغيير هندستها الداخلية علما بأن الواجهة الخارجية للمدرسة مازالت قائمة الذات والمدرسة مسكونة ولكن على غير حالتها الأصلية.

وكما تبدو في الصورة المرفقة مع هذا المقال هذه هي المدرسة المغربية اليوم وملاحظ عليها آثار العمارة العتيقة من خلال حجارة الحرش وحجارة الكذال التي تؤطر باب الدخول وتزين واجهتها مع العلم بأن من أبرز المدرسين الذين كانوا بهذه المدرسة خلال القرن السادس عشر الشيخ أبو حفص عمر بن الصّافي وضريحه موجود إلى الآن تحت صابات وهو يعرف لدى العامة باسم سيدي قضّاي الحوايج حتى أن النهج يحمل إسمه وتقع المدرسة على مقربة من مسجد القبة الذي درس به العلامة ابن خلدون وغير بعيد عن محل سكناه بنهج تربة الباي.

كانت المدرسة المغربية متميزة بهندسة تختلف عن هندسة المدارس الأخرى ، ببيوتها الواسعة وصحنها الفريد الذي به إيوان يحاكي العمارة الفارسية وهذه المدرسة قد عرفت أيضا الاهمال خلال الفتن والقلاقل التي شهدتها مدينة تونس في القرن الخامس عشر وخلال الغزو الإسباني في القرن السادس عشر ويذكر ابن الخوجة أن ممن تولى مشيختها أيضا الشيخ الطيب النيفر وقد جمع بينها وبين مشيخة المدرسة المرجانية .

وفي الأخير يجب التذكير بأن هذه المدارس كانت قبلة الطلاب من أنحاء بلدان شمال إفريقيا والسودان ومالي والكثير من الزعماء مروا بهذه المدارس في زمن كان فيه جامع الزيتونة منارة علمية ذات شان وأي شأن في العالم العربي والاسلامي واليوم بقيت بعض هذه المدارس صامدة لتشهد على مجد تليد في التعليم وماضي عريق لبلد أضاءت منه شمس المعرفة على العالم.





أحدث أقدم

نموذج الاتصال