من نهج منجي سليم بوسط العاصمة إلى قلب المدينة العتيقة يمتد نهج زرقون وحوله معالم وتواريخ وحكايات وشخصيات أساءت له في مناحي كثيرة على الرغم من أن هذا الشريان المروري والحرفي والسكني إنما تسمى في الأصل بإسم ابن زرقون وهو أحد الأندلسيين الأوائل الوافدين على تونس ليستقر في هذا المكان ويبني عدة مرافق منها حمامه المندثر ولعله في هذا لا يختلف مع كثير من الأندلسيين كابن الرميمي والي ألمرية الذي حل بتونس ليبايع أبو زكريا فأنزله كما يقول زبيس في أندلسياته في ناحية باب الخضراء حيث أنشأ حيا يسمى إلى الآن بحي حمام الرميمي.
ليس صدفة أن يتسمى النهج إذن باسم ابن زرقون وإن تحرّف إلى زرقون ليكون حلقة وصل مع الربض الشمالي ربض باب سويقة ففيه أقليات وعلى مقربة منه سكن الكثير من اليهود التونسيين . النهج أيضا ومن دون شك جزء مهم من الحي الأوروبي الذي أخذ يتشكل منذ العهد الحفصي وتوزعت الممثليات الديبلوماسية فيه والمعروفة باسم الفنادق القنصلية بين نهج القمرق القديم ونهج زرقون خصوصا.
يفصل عدنان الغالي تموضع هذه الفنادق القنصلية داخل الحي الأوروبي وأولها فندق فرنسا المعروف باسم فندق الفرانسيس في نهج القمرق القديم – فندق شابليي ملحق به في نفس النهج – فندق الولايات المتحدة الأمريكية نهج القمرق القديم – فندق ألمانيا مجاور لفندق الولايات المتحدة بنهج القمرق القديم – فندق إيطاليا وهو المقر القديم لقنصلية جنوة ثم البندقية ويوجد بنهج زرقون – فندق أنقلترا يطل على ساحة النصر وقد أصبح حاليا نزلا – فندق هولندا بين نهج فبريكات الثلج ونهج زرقون – فندق روسيا نهج زرقون – فندق اليونان نهج زرقون .
من هذه المعالم لم يتبق شيء تقريبا ففندق الفرانسيس المرتب معلما أثريا منذ 1922 أهمل تماما وتحول إلى وكالة للسكن وللحرفيين أما الفنادق المجاورة له بنهج القمرق القديم فقد تحولت إلى خراب وفقدت ملامحها التاريخية فماذا عن نهج زرقون الذي كان يعج بالسفراء والتجار الأجانب من المسيحيين وغيرهم؟
في الحقيقة لم يكن حظ هذا النهج الطويل الذي كان يضج بالتاريخ أفضل من جاره إذ لم تتبق فيه إلا قنصلية جنوة والبندقية أو ما كان يعرف بفندق إيطاليا وقد تم تحويلها في فترة من الفترات إلى مؤسسة ثقافية قبل أن تغلق تماما وقد صادفنا في أكثر من مناسبة أحد الحراس وهو يتفقدها لكن المار من نهج زرقون وبمجرد أن يرفع بصره إلى الصاباط الذي توجد فوقه هذه القنصلية سوف يدرك الوضع الخطر الذي آلت إليه.
في الحقيقة نحن لا نكتب هذا المقال لنتحدث عن الحي القنصلي ولا عن فنادق الأوروبيين بشكل خاص وإنما نكتبه لإطلاق جرس إنذار حول الحالة المحيرة التي أضحى عليها نهج زرقون هذا الشريان التاريخي والمروري في المدينة العتيقة حيث يعبر منه الآلاف يوميا إلى أسواق وأحياء المدينة العتيقة وحيث اضطرت السلط المعنية في قسم منه إلى تركيز حماية خشبية تقي المارة من خطر تساقط الجدران.
في أكثر من موضع بنهج زرقون توقفنا لنلاحظ حالة التداعي التي صارت تعاني منها بعض أسقف النهج وجدرانه وقبله كنا نبهنا إلى وضع نهج القمرق القديم وما آل إليه من تداع إلى أن انهار جزء منه.
لا ريب أن ترميم هذا النهج وإصلاحه والحفاظ على معالمه التاريخية وملامحه الأصلية عملية صعبة ومعقدة وتحتاج إلى تمويلات هامة جدا لكن المسؤولية ليست مسؤولية بلدية تونس فقط بل هي أيضا مسؤولية الجهات المكلفة بحماية مدينة تونس القديمة وتعهدها وصيانتها رسمية كانت أم جمعيات غير حكومية بل دعونا نقول أنها مسؤولية الدولة برمتها فالمدينة مدينتنا ومدينة كل التونسيين ونحن نحبها ونريدها متألقة جميلة بهية نظيفة تضيء قناديلها دروب العابرين وليس كقناديل نهج زرقون الحزينة التي يعلوها الغبار ويلفها النسيان واللامبالاة .