مازال حمام
الرميمي قائما في النهج الذي يحمل اسمه على مقربة من المدخل المؤدي الى الحلفاوين
من جهة باب الخضراء ومن نهج سوقي بلخير الذي يعج بالمحلات التجارية والمقاهي
والمطاعم والذي يعد نقطة عبور وتبضع أساسية في هذه المنطقة الشعبية التي لا يمكن
اعتبارها جزءا من الايكولوجيا الأساسية للمدينة القديمة.
واجهة الحمام مازالت
محافظة على تصميمها الأصلي الذي يعود الى 8 قرون (775 سنة) ويتجلى ذلك في المدخل
التقليدي الذي يزينه نصف قوس يشكل حدوة حصان وفي الاطار المتركب من الكذال ومع أن
الالوان الزاهية الحمراء والخضراء هي سمة بابه الخشبي فان الوضع الداخلي لهذا
المعلم الذي اقترن إسمه بأسطورة شعبية راسخة قد لا يكون زاهيا تماما.
تتردد صرخة ذلك الشاب في باب الخضراء الى
الآن رغم مرور قرون على القصة التي تداولتها الذاكرة الشعبية ..."يا حمّام
الرميمي يا بلاّع الصبايا خطفتلي بنت عمّي مغطية بردايا"...القصة مازالت حيّة بل وما
زال هناك من يصدقها وهي تروي أحداث اختطاف بنت فائقة الجمال من قبل جنّ أحمر في
هذا الحمام العتيق الذي بني في العهد الحفصي.
كانت البنت تستعد للزواج من ابن عمها وقبل
ذهابها الى الحمام أصرّ العريس على أن تلبس برنسه حتى لا يعاكسها أحد...وصلت البنت
ودخلت "المطهرة" ثم التحق الأهل فلم يجدوها ...نادوها وسمعوا صوتها من
وراء الجدار وهي تخبرهم بان ذلك الجن بصدد اختطافها ...استنجدوا بابن عمها فجلب
فأسا وبدأ بهدم الحائط ومع كل ضربة كان الصوت يبتعد لتختفي إلى الأبد.
هكذا انتهت الحكاية التي ظلت جزءا من الموروث
الشعبي شأنها شأن قصة حمام الذهب الذي ارتبط هو الآخر بأسطورة الفتاة التي ابتلعها
حوض "بيت السخون" وهي تناول أمها الذهب الذي ظهر فيه فجأة وفي هذه الحكاية أيضا كان الجنّ الأحمر
صاحب الفعلة التي أدت الى امتناع النساء عن ارتياد الحمّامين.
لا ندري حقا كيف نشأت الحكايتان لكن ما نعلمه
علم اليقين هو أن هذا الحمام هو جزء من منشآت عدة بناها محمد الرميمي
الذي جاء الى تونس في عهد أبو زكريا الأول مبايعا واستقر فيها حتى وفاته.
سوف يبرز اسم ابن الرميمي في عهد ملوك الطوائف وتحديدا زمن الحروب التي
دارت للسيطرة على المدن الأندلسية فهو قد كان واليا على مدينة ألمرية تابعا لابن
هود الذي خرج عن سلطة الموحدين وتمكن من السيطرة على بعض الأقاليم بعد خوض معارك
كبيرة مع عدد من الملوك أبرزهم ابن الأحمر.
عن ابن هود هذا يقول لسان الدين
الخطيب في كتابه (الاحاطة في أخبار غرناطة) " كان شجاعا، ثبتا...قليل المبالاة فاستعلى لذلك عليه
ولاته بالقواعد، كأبي عبد الله بن الرّميمي بألمريّة، وأبي عبد الله بن زنون
بمالقة وأبي يحيى عتبة بن يحيى الجزولي بغرناطة وكان مجدودا لم ينهض له جيش ولا وفّق لرأي لغلبة الخفّة
عليه".
لعل هذا التوصيف الدقيق لشخصية ابن هود يعطي فكرة عن المآلات التي ذهبت
اليها الأندلس بسقوط مملكتها الأخيرة غرناطة في 1492 م والتي كان بها بنو الأحمر
لكن قبل ذلك كان ابن هود قد خسر كل مواقعه حتى انتهى الأمر به لاجئا عند واليه ابن
الرّميمي في ألمرية.
في كتاب (العبر) يقول ابن خلدون " ثم زحف ابن الأحمر إلى غرناطة وملكها ...وكان عبد الله
أبو محمد بن عبد الله ابن محمد بن عبد الملك الأموي الرميمي وزير ابن هود ...وقدم
عليه المتوكل (ابن هود) سنة خمس وثلاثين وستمائة فهلك بالحمام ودفن بمرسية ويقال
انه قتله".
لم يذكر ابن خلدون خلفيات قتل ابن هود سنة 1237 م لكن لسان الدين الخطيب
يورد من ناحيته رواية مثيرة اذ يقول " اختلف الناس في سبب وفاته فذكر أنه قد
عاهد زوجه ألّا يتخذ عليها امرأة طول عمره فلمّا تصيّر إليه الأمر أعجبته روميّة
حصلت له بسبب السّبي من أبناء زعمائهم من أجمل الناس فسترها عند ابن الرّميمي
خليفته فزعموا أن ابن
الرميمي علق بها ولما ظهر حملها خاف افتضاح القصة فدبّر عليه الحيلة فلمّا حلّ
بظاهر ألمريّة عرض عليه الدخول إليها فاغتاله ليلا بأن أقعد له أربعة رجال قضوا
عليه خنقا بالوسائد".
تساقطت الامارات الأندلسية تباعا بسبب تناحر ملوك الطوائف وخياناتهم فلم
يبق ابن الرميمي في الأندلس حيث وصل سنة (1245 م) مع وفد من ألمرية الى تونس مؤكدا
بيعته لأبي زكريا وطالبا الاستقرار بها وفي هذا يقول سليمان زبيس في مقاله حول مآثر
الأندلس في مدينة تونس "فأنزله أبو زكرياء في ناحية باب الخضراء حيث أنشأ حيا
يسمى إلى الآن بحي حمام الرميمي فخططه على حسب مخططات الدروب الأندلسية المغربية
أي أن هناك جادة تشقه في الوسط وعليها الدكاكين على أنواعها مع ساحة صغيرة في
الوسط يوجد فيها الجامع والكتاب والعدل والمحتسب والجزار والطاحونة والفرن للخبز
والفحام والخضار وبائع الغلال والسوقي واللبان وغير ذلك من الدكاكين والنصبات لبيع
المواد الغذائية أما الحمام فقد جاء بعيدا عن هذه المنطقة المكتظة بأنواع النشاطات
وذلك رعاية لمعشر النسوة وضمانا لشروط الحياء الواجب نحوهن. وتنفتح يمينا ويسارا
على الجادة الوسطى طرق تفضي إلى النواحي السكنية وفي طرفي هذه الجادة كان بابان
ضخمان إذا أغلقا بعد صلاة العصر انعزل الحي عما حوله وكذلك متى اضطربت أحوال
البلاد".
اذا كان مقتل ابن هود محفوفا بالغموض فان وضع الرميمي في تونس لن يقلّ
بدوره غموضا اذ لم نعثر سوى على سطرين حول هذا الموضوع في كتاب (الأدلة النورانية في مفاخر الدولة
الحفصية) لابن الشماع الذي يؤكد أولا أنه " أقام بها (تونس) إلى أن اعتقله المولى المنتصر وأخذ ماله
وقيل له وهو يعذب ...من أين جمعت هذه الأموال فقال ...من هذا الذي أنا فيه ".
لا توجد أيضا رواية دقيقة حول ظروف وفاته ويرجح زبيس أنه "تصوف
فلازم جمهرة المتصوفين الذين كانوا في ناحية المرسى حول شيخهم سيدي عبد العزيز... ثم دفن في زاوية سيدي صالح الجراح بالمرسى حتى نقل قبره
أخيرا إلى جوار سيدي عبد العزيز في طريق قمرت ".
