في كل تاريخها القديم والحديث كانت طبرقة وما تزال أرض الخيرات فيها الحبوب والخضراوات والغلال والأسماك والعيون المندفعة من أعالي جبال خمير وفيها أيضا ثروة حيوانيّة وطبيعيّة ضخمة ، ومن يجوب شوارعها يلمس هذا المعطى فعلى قارعة الطريق شيء من هذه الخيرات التي يعرضها أصحاب البساتين الجبلية وبحارة المراكب الصغيرة العائدين من رحلة صيد ليليّة ، بل أكثر من ذلك في الشوارع من يبيع ثمار النباتات الجبليّة من عَذارة ولنج وتوت وزعرور وبلوط وخرّوب حسب الفصول.
من ملّولة غربا إلى بركوكش شرقا تمتدّ سواحل طبرقة بتضاريسها الموزعة بين جروف وأحواض صخريّة وشواطئ رمليّة شاسعة وهذا التنوّع الذي يبدو قاسيا ووعرا أحيانا لا يحجب القاسم المشترك بين هذه المساحات الجبلية والغابية والبحرية ، والمتمثل في ذلك الجمال الخلاّب الذي يجعل من نسيان المنطقة أمرا مستحيلا على أي شخص يزورها فكل صورة ترسخ في الذّاكرة وكل لحظة متعة خالصة وفوق ذلك هنالك منسوب عال من طيبة الناس وهدوء في أغلب فصول العام .
بعيدا عن هذه الزاوية التي تسوّق طبرقة كمدينة سياحيّة وتحصر معالمها ورمزيّتها في الإبر والحصن وقلائد المرجان فان المدينة أولا وقبل كل شيء هي كتاب مفتوح على التّاريخ منذ العصور السحيقة وحضارات عريقة وأولها الحضارة البربريّة النوميديّة التي أقامت على يد ماسينيسا مملكة عظيمة قبل أن يهيمن القرطاجيّون والرّومان الوندال والبيزنطيون والإسبان والمسلمون.
تظل طبرقة رغم ثراء مخزونها الطبيعي مدينة بحرية دوما تعيش على إيقاع شواطئها ولعل شاطئ المرجان هو الأشهر وهو أيضا الأكثر تأثرا بنتائج التوسع المينائي والعمراني فالبحر تقدم على حساب الرمال في بعض الأماكن إلى حدود28 مترا لكن هذه التداعيات السلبية لا تحجب جمال هذه الشواطئ الرملية والذي يبلغ أوجه من دون شك في شاطئ بركوكش البعيد عن قلب مدينة طبرقة حوالي الـ 12 كيلومترا.
الطريق إلى بركوكش رحلة بصرية رائعة تخترق غابة الصنوبر والحقول الخضراء وفي خضم هذا الديكور البديع الذي عبرناه توقفنا لبعض الوقت تحت قنطرة الخط الحديدي رقم 2 الذي كان يربط بين ماطر وطبرقة عبر سجنان.
حقا لا يمكن وصف شاطئ بركوكش الموزّع بين مرتفع صخري غربا ورمال ذهبية شرقا والذي يتجاوز امتداده الطبيعي مطار طبرقة الدولي إلى حدود وادي وشاطئ الزوارع وهكذا فبركوكش هو في الواقع أكثر من شاطئ بل سلسلة مترابطة من المساحات الرملية الشاسعة المحاطة بغابة كثيفة وهذا المزيج من الخضرة والبياض يعانق زرقة بحر هو الأجمل في طبرقة وفي تونس.
كنوزنا – إعداد ياسين بن سعد