دار بيرم ...قصر الأحناف

 

 
   

تعود جذور عائلة بيرم (ومعناها العيد بالتركية) الى الحملة العسكرية التي قادها سنان باشا (1574) لانهاء الوجود الاسباني بتونس وحليفته الدولة الحفصية ومن ثمة فالجدّ الأول لهذه العائلة جاء ضمن الحملة وكان أحد القادة فيها.استقر آلاف الجنود الأتراك بتونس عقب هذه الحملة التي كرست رسميا السيطرة العثمانية على تونس لكن أبناء بيرم سيبرزون لاحقا من خلال تقلد عدد منهم لأعلى المناصب الدينية الحنفية وهو مذهب السلطة التركية الحاكمة فشغلوا منصب المفتي وحصلوا على لقب شيخ الاسلام وتولوا القضاء والتدريس في الجامع الاعظم والمدارس الدينية وتولوا الخطابة في جوامع سيدي يوسف وحمودة باشا وصاحب الطابع وتوارثوا منصب نقيب الاشراف بعد أن تزوج أحدهم ابنة الشريف الفلاري كما كانوا أيضا من المقربين من السلطة الحاكمة على اختلاف العهود والسلالات.

يذكر المؤرخ الفرنسي جاك ريفو أن من أقدم المنازل التابعة لهذه العائلة "داربيرم التركي" الكائنة بنهج سيدي علي عزوز غير بعيد عن جامع الزيتونة وجامع حمودة باشا وهذه الدار تعود الى بيرم الرابع ثم وفي القرن التاسع عشر انتقل آل بيرم بالسكنى الى دار الجلولي بالحي التركي من المدينة العتيقة ثم الى حي آخر هو حي سيدي يوسف حيث استقروا بدار العلمي أما القصر الحالي الكائن بنهج الأندلس فهو يعود الى القرن الثامن عشر وقد اشتراه شيخ الاسلام محمد بيرم الرابع من عائلة داود وتولى البيارمة انطلاقا من سنة 1883 توسعته ببناء طابق علوي وقد استمرت الاشغال عدة سنوات بعدما آلت ملكيته الى الأبناء لكن في ظل الاهمال وغياب الصيانة أصبح هذا المعلم التاريخي في حالة سيئة جدا ما فرض التفريط فيه فاشتراه رجل الأعمال وتاجر التحف فتحي بوزويتة الذي يملك محلا مشهورا في باريس بعد مفاوضات ماراطونية مع الورثة الـ 19تواصلت سنتين.

يؤكد  فتحي بوزويتة أنه وقع تحت سحر القصر عندما زاره لأول مرة لكن قبل تحويله الى وضعه الحالي كنزل فاخر من فئة 5 نجوم كان يتعين القيام بأشغال الترميم الدقيقة والصعبة التي استمرت قرابة الـ  7 سنوات وقد تم خلالها اقتلاع كامل الجليز والرخام والحجارة وتعرية الجدران والأساسات واذابة الدهن الصناعي الذي على الابواب واستعمال مواد طبيعية تماما في إعادة تشكيل هذا الفضاء التاريخي.

لا تتكون دار بيرم في الواقع من بيت واحد فهي تضم أيضا القصر الملاصق لها المعروف بدار المامغلي وهي عائلة ثرية كانت تشتغل بتجارة الحرير وهكذا فالنزل الذي افتتح في نوفمبر 2014  أصبح يضم القصر الأول (داربيرم) ومساحته 1400 متر مربع والقصر الثاني (دار المامغلي) ومساحته 814 مترا مربعا.

أما عن مكونات هذا الفضاء فهي تتمثل في 17 غرفة فخمة اضافة الى مطعم وحمام تقليدي وقاعة شاي وقاعة للاجتماعات وحديقة وبالتالي فهو واحد من أكبر النزل أو القصور التاريخية في المدينة العتيقة.

من الناحية الهندسية حافظ قصر بيرم على التصميم التقليدي الذي تتميز به القصور في المدينة القديمة فالدريبة (سقيفة) التي تحجب البيت عن عيون الفضوليين تؤدي الى فناء فسيح مبلط بحجر الكذال. الفناء في قصر بيرم يتضمن رواقين يستندان الى أعمدة ذات تيجان عثمانية وتعلو الأعمدة أقواس بنقوش جصية بديعة لكن ما يميز هذا الجزء من المبنى حقا هو اللوحات الخزفية الرائعة التي تزين الجدران وبعض مكوناتها نادرة وثمينة جدا وهذا فضلا عن الأبواب التي استعادت ألوانها البنية الزاهية والطبيعية التي تحيل على القرن الثامن عشر.

فخامة هذا البناء لا تبرز فقط هنا أو في مختلف الغرف بتصميمها الكلاسيكي وزخارفها الجميلة بل تتجلى أيضا في الطابق العلوي بسياجه الخشبي وبالأسقف ذات الألوان الزاهية وبالقرميد الذي يزين الرواقين وهكذا فالبيت قد استعاد بهذه اللمسات الهندسية العثمانية والموريسكية والايطالية وبالمواد المستعملة بهاءه التاريخي الذي منحه إياه البيارمة.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال